مانشيت "الجمهورية": المنطقة تترقّب واشنطن ولبنان يسابق التوتير والتسوية... مشروع الفجوة المالية إلى المجلس وسط اعتراضات
Saturday, 27-Dec-2025 06:57

المنطقة في غليان واضح، وعائمة في بحر من الاحتمالات، عشية اللقاء بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن، وغالبيّتها تركّز على إيران كأكثر النقاط سخونة، وقابلية للاشتعال، في ظلّ حديث المستويات الأمنية والسياسيّة الإسرائيليّة عن أجندة حربيّة يحملها معه نتنياهو إلى واشنطن، والبند الأساس فيها هو كيفيّة إزالة التهديد الإيراني، والإعلام العبري يقول صراحة إنّ نتنياهو يعوّل على ضوء أخضر أميركي لضرب إيران في ما تبقّى من برنامجها النووي، وكذلك برنامجها الصاروخي الذي يشكّل التهديد الأخطر لإسرائيل. فيما دفعت هذه التطورات إيران إلى رفع درجة التأهّب والاستنفار تحسباً لأي ضربة، سواء أكانت أحادية الجانب من قبل إسرائيل، او ضربة مشتركة أميركية – إسرائيلية، ورفعت سقف تحذيراتها إلى مستويات عالية التهديد، وفق ما عبّر مسؤول إيراني الذي قال:» انتقلنا من حال الدفاع إلى «المبادرة بالردع»، وأي حماقة ستُقابل بعاصفة من الصواريخ، تطال بنك أهداف جديداً سيفاجئ العالم».

ترقّب

وسط هذه الأجواء الغارقة بتحليلات متعددة المصادر تغلّب احتمال الحرب، يزيدها خطورة، عودة مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الحديث عشية اللقاء مع ترامب، عن تغيير جذري في المنطقة وشرق أوسط جديد، وتقابلها في الوقت ذاته، تحليلات معاكسة تستبعد الحرب، وتردّ ذلك إلى أنّ الاولوية الأميركية في هذه المرحلة هي في مكان آخر. ولبنان وسط تعاكس التحليلات، على منصة التصويب باعتداءات إسرائيلية شملت مناطق واسعة في الجنوب والبقاع في الأيام الأخيرة، شأنه كسائر دول المنطقة، متموضع في دائرة الترقّب لما قد يستجد في الآتي من الأيام، وخصوصاً من قبل الجانب الإسرائيلي الذي يضخ أجواء حربية على كل الجبهات، وفق ما اعلن رئيس الأركان الإسرائيلي ايال زامير بـ»أنّ المعركة لم تنته بعد، وجميع الجبهات لا تزال نشطة، وما زالت تنتظرنا تحدّيات كثيرة، وانّ واقع الحرب متعددة الجبهات يفرض على شعبة الاستخبارات مواصلة متابعة التغيّرات وتقديم إنذارات نوعية».

 

الحرب مستبعدة

وعلى ما يقول مسؤول كبير لـ«الجمهورية»، إنّّ كلّ الاحتمالات واردة على مستوى المنطقة، حيث لا يمكن لأحد أن يتكهن بما قد يحصل من مجريات وتطورات، ولكن ما يعنينا في لبنان، هو أن يبقى في منأى عن دائرة النار في حال اشتعالها، وساحة مقفلة على ايّ ارتدادات.

 

وكرّر المسؤول عينه تأكيده بأنّه يستبعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، «وقد سمعت مباشرة من موفد خارجي تأكيده أنّ أولوية الدول، وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا هي استقرار لبنان، وخصوصاً في منطقة الجنوب، وانّ حرباً جديدة ستكون مكلفة جداً، ليست على طرف بعينه، بل على كل الأطراف. فضلاً عن انّ الأميركيين يعولون على خطوات نوعية من لجنة «الميكانيزم» التي يرأسونها، من شأنها أن تؤسس لحلول وتفاهمات في المدى المنظور».

 

ورداً على سؤال قال: «مهمّة الجيش في جنوب الليطاني قد أُنجزت بالكامل، «حزب الله» قام بالحدّ الأعلى من تسهيل هذه المهمّة، فيما التعقيدات كانت واضحة من قبل إسرائيل، لجهة استمرار اعتداءاتها وعدم الانسحاب من النقاط المحتلة ومنع الجيش من الانتشار في كامل منطقة جنوب الليطاني، وكل ما حصل سيتمّ الإعلان عنه قريباً جداً، وخصوصاً من قبل الجيش».

 

سباق

وفي معرض استبعاد الحرب، علمت «الجمهورية»، أنّ مسؤولاً أمنياً غربياً أثنى خلال لقاءات أجراها مع سياسيين وأمنيين في الفترة الأخيرة، على الجيش اللبناني، مقدّراً ما قام به في إطار تنفيذ قرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح، خصوصاً في منطقة جنوب الليطاني، مشدّداً على انّ المطلوب بعد ذلك، هو الانتقال إلى المرحلة الثانية من هذه الخطة شمال الليطاني، والتي نرى ضرورة أن تتوفر لها كل عوامل إنجاحها، وإتمامها وفق ما هو محدّد في قرار الحكومة».

 

وفي تقييمه للوضع في ظل التهديدات الإسرائيلية بعمل عسكري واسع ضدّ لبنان، نقل عنه قوله إنّه لا يرجح حدوث حرب، وأضاف: «بحسب متابعتنا للتطورات في السنتين الأخيرتين، نعتقد أنّ تغيّراً قد طرأ على العقيدة العسكرية الإسرائيلية، حيث باتت تركّز على استخدام القوة المحدودة والمضبوطة بدلاً من المواجهة المفتوحة، وتبعاً لذلك، لا نرى في الأفق عملاً عسكرياً واسعاً. الّا انّ ذلك لا يبدو ثابتاً، بحيث قد يكون عرضة للتبدل والتغيّر بفعل تطورات توجب ذلك، ومن هنا دعوتنا الحثيثة إلى التزام كل الأطراف باتفاق وقف الأعمال العدائية الموقّع في تشرين الثاني من العام 2024، ذلك انّ استمرار خرق هذا الاتفاق يجعل هذا الاتفاق هشاً، ويزيد من خطر تجدّد التصعيد».

 

وخلص في تقييمه إلى القول: «لا استطيع أن اقول انّ وضع لبنان سليم او معافى كما نريده، بل هو في سباق مع أمرين؛ الأول، خطر الانزلاق إلى تصعيد، حيث لا نرى التزاماً بوقف الاعمال العدائية، ولا نلمس في المقابل تراجعاً من قبل «حزب الله»، بل هناك تصميم على معاظمة قدراته كأخطر تهديد على إسرائيل، وكتحدٍّ هائل جداً للجيش اللبناني. والثاني، المضي قدماً نحو تسوية او تفاهمات يتأتى عنها قدر من الهدوء والاستقرار، وما يقوم به لبنان في هذا الاتجاه، هو موضع ترحيب ودعم دوليين».

 

عون متفائل

وكان لافتاً في هذا السياق، التفاؤل الذي عبّر عنه رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، بعد زيارة تهنئة إلى البطريرك مار بشارة الراعي في بكركي لمناسبة عيد الميلاد، حيث قال: «أريد أن أعايد جميع اللبنانيين وأقول لهم: إن شاء الله نشهد في السنة المقبلة ولادة لبنان الجديد، لبنان دولة المؤسسات لا دولة الأحزاب، لا دولة الطوائف ولا دولة المذاهب، دولة الشفافية والمحاسبة. من المؤكّد أنّه في هذا العيد هناك جرح نازف في الجنوب، ولم يعد أهلنا إليه بعد، فيما لا يزال أسرانا في السجون الإسرائيلية، ولا تزال هناك اعتداءات، آخرها اليوم في الجنوب والبقاع. إن شاء الله نشهد ولادة لبنان الجديد، وننتهي من الحروب ونعيش السلام».

 

ورداً على سؤال عن عمل الديبلوماسية اللبنانية بالتوازي مع عمل لجنة «الميكانيزم»، أكّد الرئيس عون أنّ «اتصالات لبنان مع الدول المؤثرة لم تتوقف، خاصة مع الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي والدول العربية».

وعن موضوع حصرية السلاح، قال: «سنكمل في ذلك، وسأعود وأكرّر أنّ القرار اتُّخذ وسنكمل في الأمر»، مشيرًا إلى أنّ التطبيق سيتمّ وفقًا للظروف.

 

وعن عمل لجنة «الميكانيزم» والحديث الإسرائيلي عن تجدّد الحرب بعد رأس السنة، أجاب: «إنّ اتصالاتنا الديبلوماسية لم تتوقف لإبعاد شبح الحرب. وأستطيع أن أقول لكم إنّ شبح الحرب بات أبعد. وبطبيعة الحال، في التفاوض، كل واحد يريد رفع سقفه، لكنني متفائل، وإن شاء الله الأمور ذاهبة إلى خواتيم إيجابية».

 

وعن الانتخابات النيابية وما إذا كانت ستُجرى في موعدها، أجاب: «أكرّر القول إنني والرئيس نبيه بري والرئيس نواف سلام مصمّمون على إجراء الانتخابات في موعدها. مجلس النواب، وانطلاقًا من مبدأ احترام فصل السلطات، لديه دور يجب أن يلعبه. فليذهبوا إلى مجلس النواب وليناقشوا أي قانون يريدون. واجباتنا تأمين سلامة الانتخابات وشفافيتها، أما وفق أي قانون، فيقرّره مجلس النواب. ولكننا مصمّمون على إجرائها في موعدها، فالانتخابات استحقاق دستوري يجب أن يُجرى في وقته».

 

الفجوة المالية

وكانت الحركة السياسية، قد استأنفت نشاطها جزئياً مع انتهاء عطلة عيد الميلاد، وانحصر ذلك بإقرار الحكومة لمشروع قانون الانتظام المالي واسترداد الودائع، الذي يلقى اعتراضات واسعة على مضمون هذا القانون، لما يعتريه مما يصفها معارضوه بالثغرات العميقة التي تنسف الغاية المرجوة من هذا القانون.

 

وإذا كان هذا القانون، المعروف بقانون الفجوة المالية، والهدف المعلن منه هو كيفية سدّ هذه الفجوة، الّا انّه بدل ذلك، فتح فجوات مالية بين المودعين وحقوقهم، حيث يخشى هؤلاء من حرمانهم من أموالهم وجنى عمرهم، وفي الوقت نفسه، حفر فجوة سياسية واسعة، يُنتظر ان تعبّر عن نفسها في الاعتراضات على القانون في مجلس النواب، بعد إحالة المشروع اليه وطرحه في اللجان النيابية والهيئة العامة للمجلس.

 

وقالت مصادر معارضة للقانون لـ«الجمهورية»: «انّ هذا القانون بدل أن يحلّ الأزمة يخلق أزمات جديدة ويعقّدها، والغريب هو الاستعجال في سلق القانون بهذه الطريقة، وكأنّ الغاية من ذلك فقط، هي ان تزيل الحكومة هذا الامر عن ظهرها وتلقيه على مجلس النواب. وفي اي حال فإنّ هذا المشروع سيلقى مواجهة واسعة له في المجلس».

 

وكان مجلس الوزراء قد أقرّ مشروع قانون الانتظام المالي واستعادة الودائع، في جلسة عقدها في السراي الحكومي أمس، برئاسة رئيس الحكومة نواف سلام، وتمّ ذلك بالتصويت، حيث وافق على المشروع 13 وزيراً، وعارضه 9 وزراء.

 

وأشار سلام بعد الجلسة إلى أنّ «المودعين الذين تقلّ قيمة ودائعهم عن 100 ألف دولار سيحصلون على أموالهم كاملةً ومن دون أي اقتطاع ومع الفوائد التي تراكمت وخلال 4 سنوات، وهؤلاء يشكّلون 85% من المودعين»، لافتاً إلى أنّ «السندات ليست وعودًا على ورق بل هي مدعومة بـ50 مليار دولار من موجودات المصرف المركزي». وأشار إلى أنّ «كل مَن حوّل أمواله قبل الانهيار المالي مستغلًا موقعه أو نفوذه، وكل مَن استفاد من الهندسات المالية وكل مَن استفاد من ايرادات مفرطة، سيُطلب منه دفع تعويض». ولفت إلى أنّ «الناس يريدون مَن هو صادق معهم، ونحن صادقون مع الناس، وأنا لست ممن يبيع السمك في البحر».

 

وقال: «للمّرة الأولى قانون الفجوة المالية فيه مساءلة ومحاسبة، وغير صحيح من يقول عنه «عفا الله عمّا مضى» فقد أدخلنا عليه ضرورة استكمال التدقيق الجنائي والمحاسبة»، مضيفًا: «هذا القانون ليس مثاليًا وفيه نواقص، والأهم أنّه خطوة منصفة على طريق استعادة الحقوق. وما يهمّنا هو أن يقّر مجلس النواب هذا القانون بأسرع وقت، وأكون من أسعد الناس إذا تمكنوا من إقرار تحسينات عليه. ونحن الأساس وليس صندوق النقد».

 

أضاف: «انني لا أملك أرقامًا ثابتة حول وضع البلد بعد 10 سنوات، وكل يوم تأخير هو يوم إضافي لتآكل حقوق الناس. وأنا غير مستعد للتفريط بالثقة التي بدأنا باستعادتها، وكل يوم تأخير يضرّ بالثقة».

الأكثر قراءة